تفسير ابن كثير تفسير الصفحة 11 من المصحف



تفسير ابن كثير - صفحة القرآن رقم 11

11 : تفسير الصفحة رقم 11 من القرآن الكريم

** قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّنَ لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ لاّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّن لّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لّوْنُهَا تَسُرّ النّاظِرِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبّكَ يُبَيّن لّنَا مَا هِيَ إِنّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنّآ إِن شَآءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنّهُ يَقُولُ إِنّهَا بَقَرَةٌ لاّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلّمَةٌ لاّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الاَنَ جِئْتَ بِالْحَقّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ
أخبر تعالى عن تعنت بني إسرائيل وكثرة سؤالهم لرسولهم, لهذا لما ضيقوا على أنفسهم ضيق الله عليهم, ولو أنهم ذبحوا أي بقرة كانت لوقعت الموقع عنهم, كما قال ابن عباس وعبيدة وغير واحد, ولكنهم شددوا فشدد عليهم فقالوا: {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} أي ما هذه البقرة وأي شيء صفتها, قال ابن جرير, حدثنا أبو كريب, حدثنا ثمّام بن علي, عن الأعمش, عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لو أخذوا أدنى بقرة لاكتفوا بها, ولكنهم شددوا فشدد عليهم ـ اسناد صحيح ـ وقد رواه غير واحد عن ابن عباس, وكذا قال عبيدة والسدي ومجاهد وعكرمة وأبو العالية وغير واحد, وقال ابن جريج: قال لي عطاء: لو أخذوا أدنى بقرة لكفتهم, قال ابن جريج: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أمروا بأدنى بقرة ولكنهم لما شددوا شدد الله عليهم وايم الله لو أنهم لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد» قال: {إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر} أي لا كبيرة هرمة ولا صغيرة لم يلحقها الفحل, كما قاله أبو العالية والسدي ومجاهد وعكرمة وعطية العوفي وعطاء الخراساني ووهب بن منبه والضحاك والحسن وقتادة, وقاله ابن عباس أيضاً, وقال الضحاك عن ابن عباس: عوان بين ذلك, يقول نصف بين الكبير والصغيرة, وهي أقوى ما يكون من الدواب والبقر, وأحسن ما تكون, وروي عن عكرمة ومجاهد وأبي العالية والربيع بن أنس وعطاء الخراساني والضحاك نحو ذلك, وقال السدي: العوان: النصف التي بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها, وقال هشيم, عن جويبر, عن كثير بن زياد, عن الحسن في البقرة: كانت بقرة وحشية, وقال ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس: من لبس نعلاً صفراء لم يزل في سرور ما دام لا بسها, وذلك قوله تعالى: {تسر الناظرين} وكذا قال مجاهد ووهب ابن منبة: كانت صفراء, وعن ابن عمر: كانت صفراء الظلف, وعن سعيد بن جبير: كانت صفراء القرن والظلف, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا نصر بن علي, حدثنا نوح بن قيس, أنبأنا أبو رجاء عن الحسن في قوله تعالى: {بقرة صفراء فاقع لونه} قال سوداء شديدة السواد, وهذا غريب, والصحيح الأول ولهذا أكد صفرتها بأنه {فاقع لونه} وقال عطية العوفي {فاقع لونه} تكاد تسود من صفرتها, وقال سعيد بن جبير {فاقع لونه} قال: صافية اللون. وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه, وقال شريك عن معمر عن ابن عمر {فاقع لونه} قال: صاف, وقال العوفي في تفسيره عن ابن عباس {فاقع لونه} تكاد تسود من صفرتها, وقال سعيد بن جبير {فاقع لونه} صافية اللون, وروي عن أبي العالية والربيع بن أنس والسدي والحسن وقتادة نحوه, وقال شريك عن معمر عن ابن عمر {فاقع لونه} شديدة الصفرة, تكاد من صفرتها تبيض, وقال السدي {تسر الناظرين} أي تعجب الناظرين, وكذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس. وقال وهب بن منبه: إذا نظرت إلى جلدها تخيلت أن شعاع الشمس يخرج من جلدها. وفي التوارة: أنها كانت حمراء , فلعل هذا خطأ في التعريب, أو كما قال الأول: إنها كانت شديدة الصفرة تضرب إلى حمرة وسواد, والله أعلم. وقوله تعالى: {إن البقر تشابه علين} أي لكثرتها, فميز لنا هذه البقرة وصفها وحلها لنا {وإنا إن شاء الله} إذا بينتها لنا {لمهتدون} إليها, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن يحيى الأودي الصوفي, حدثنا أبو سعيد أحمد بن داود الحداد, حدثنا سرور بن المغيرة الواسطي بن أخي منصور بن زاذان, عن عباد بن منصور, عن الحسن, عن أبي رافع, عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لولا أن بني إسرائيل قالوا {وإنا إن شاء الله لمهتدون} ما أعطوا أبداً, ولو أنهم اعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم, ولكن شددوا, فشدد الله عليهم» وهذا حديث غريب من هذا الوجه, وأحسن أحواله أن يكون من كلام أبي هريرة كما تقدم مثله على السدي, والله أعلم, {قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث} أي إنها ليسن مذللة بالحراثة ولا معدة للسقي في الساقية, بل هي مكرمة, حسنة, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مسلمة يقول لا عيب فيها, وكذا قال أبو العالية والربيع, وقال مجاهد: مسلمة من الشية, وقال عطاء الخراساني مسلمة القوائم والخلق لا شية فيها, قال مجاهد: لا بياض ولا سواد, وقال أبو العالية والربيع والحسن وقتادة ليس فيها بياض, وقال عطاء الخراساني: لا شية فيها, قال لونها واحد بهيم, وروي عن عطية العوفي ووهب بن منبه وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك, وقال السدي: لا شية فيها من بياض ولا سواد ولا حمرة, وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى, وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى: {إنها بقرة لا ذلول} ليست بمذللة بالعمل, ثم استأنف فقال: {تثير الأرض} أي يعمل عليها بالحراثة, لكنها لا تسقي الحرث, وهذا ضعيف لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث, كذا قرره القرطبي وغيره: {قالوا الاَن جئت بالحق} قال قتادة: الاَن بينت لنا, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وقبل ذلك والله قد جاءهم الحق {فذبحوها وما كادوا يفعلون} قال الضحاك, عن ابن عباس: كادوا أن لا يفعلوا ولم يكن ذلك الذي أرادوا, لأنهم أرادوا أن لا يذبحوها, يعني أنهم مع هذا البيان وهذه الأسئلة والأجوبة والإيضاح ما ذبحوها إلا بعد الجهد, وفي هذا ذم لهم, وذلك أنه لم يكن غرضهم إلا التعنت, فلهذا ما كادوا يذبحونها. وقال محمد بن كعب ومحمد بن قيس: فذبحوها وما كادوا يفعلون لكثرة ثمنها, وفي هذا نظر, لأن كثرة الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل كما تقدم من حكاية أبي العالية والسدي, ورواه العوفي عن ابن عباس, وقال عبيدة ومجاهد وهب بن منبه وأبو العالية وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنهم اشتروها بمال كثير, وفيه اختلاف, ثم قد قيل في ثمنها غير ذلك, وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة, أخبرني محمد بن سوقة عن عكرمة, قال: ما كان ثمنها إلا ثلاثة دنانير, وهذا إسناد جيد عن عكرمة والظاهر أنه نقله عن أهل الكتاب أيضاً, وقال ابن جرير, وقال آخرون: لم يكادوا أن يفعلوا ذلك خوف الفضيحة إن اطلع الله على قاتل القتيل الذي اختصموا فيه ولم يسنده عن أحد, ثم اختار أن الصواب في ذلك أنهم لم يكادوا يفعلوا ذلك لغلاء ثمنها وللفضيحة, وفي هذا نظر بل الصواب, والله أعلم, ما تقدم من رواية الضحاك عن ابن عباس على ما وجهناه, وبالله التوفيق.
(مسألة) استدل بهذه الاَية في حصر صفات هذه البقرة حتى تعينت أو تم تعقييدها بعد الإطلاق على صحة السلم في الحيوان, كما هو مذهب مالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وجمهور من العلماء سلفاً وخلفاً بدليل ما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنعت المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها» وكما وصف النبي صلى الله عليه وسلم, إبل الدية في قتل الخطأ, وشبه العمد بالصفات المذكورة بالحديث, وقال أبو حنيفة والثوري والكوفيون: لا يصح السلم في الحيوان لأنه لا تنضبط أحواله, وحكي مثله عن ابن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الرحمن بن سمرة وغيرهم.

** وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَىَ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ
قال البخاري: {فادّارأتم فيه} اختلفتم وهكذا قال مجاهد قال فيما رواه ابن أبي حاتم, عن أبيه, عن أبي حذيفة, عن شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, إنه قال في قوله تعالى: {وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيه} اختلفتم, وقال عطاء الخراساني والضحاك: اختصمتم فيها, وقال ابن جريج {وإذ قتلتم نفساً فادارأتم فيه} قال: بعضهم: أنتم قتلتموه, وقال آخرون: بل أنتم قتلمتموه, وكذ قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم {والله مخرج ما كنتم تكتمون} قال مجاهد: ما تغيبون, وقال ابن حاتم: حدثنا عمرو بن مسلم البصري, حدثنا محمد بن الطفيل العبدي, حدثنا صدقة بن رستم, سمعت المسيب بن رافع يقول: ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله, وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله, وتصديق ذلك في كلام الله {والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضه} هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة, فالمعجزة حاصلة به, وخرق العادة به كائن, وقد كان معيناً في نفس الأمر, فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا, ولكنه أبهمه ولم يجى من طريق صحيح عن معصوم بيانه, فنحن نبهمه كما أبهمه الله, ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدّثنا أحمد بن سنان حدّثنا عفان بن مسلم حدّثنا عبد الواحد بن زياد حدّثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له وكانت بقرة تعجبه, قال: فجعلوا يعطونه بها فيأبى حتى أعطوه ملء مسكها دنانير, فذبحوها, فضربوه ـ يعني القتيل ـ بعضو منها, فقام تشخب أوداجه دماً, فقالوا له من قتلك ؟ قال: قتلني فلان, وكذا قال الحسن وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنه ضرب ببعضها, وفي رواية عن ابن عباس أنه ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر, قال: أيوب عن ابن سيرين, عن عبيدة: ضربوا القتيل ببعض لحمها, قال معمر: قال قتادة: ضربوه بلحم فخذها فعاش, فقال: قتلني فلان, وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا النضر بن عربي عن عكرمه {فقلنا اضربوه ببعضه} فضرب بفخذها, فقام فقال: قتلني فلان, قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وقتادة وعكرمة نحو ذلك. وقال السدي: فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين, فعاش, فسألوه فقال: قتلني ابن أخي, وقال أبو العالية: أمرهم موسى عليه السلام, أن يأخذوا عظماً من عظامها فيضربوا به القتيل, ففعلوا فرجع إليه روحه, فسمى لهم قاتله, ثم عاد ميتاً كما كان, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: فضربوه ببعض آرابها وقيل: بلسانهاوقيل بعجب ذنبها وقوله تعالى: {وكذلك يحيي الله الموتى} أي فضربوه فحيي, ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل, جعل تبارك وتعالى ذلك الصنيع حجة لهم على المعاد, وفاصلاً ما كان بينهم من الخصومة والعناد, والله تعالى قد ذكر في هذه السورة مما خلقه من إحياء الموتى في خمسة مواضع {ثم بعثناكم من بعد موتكم} وهذه القصة, وقصة الذي خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت, وقصة الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها, وقصة إبراهيم عليه السلام والطيور الأربعة, ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميماً, كما قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبه, أخبرني يعلى بن عطاء, قال سمعت وكيع بن عدس يحدث عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه, قال: قلت يا رسول الله, كيف يحيي الله الموتى ؟ قال: «أما مررت بواد ممحل, ثم مررت به خضراً» ؟ قال بلى. قال: «كذلك النشور» أو قال: «كذلك يحيي الله الموتى» وشاهد هذا قوله تعالى: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون}.
(مسألة) استدل لمذهب الإمام مالك في كون قول الجريح: فلان قتلني لوثا بهذه القصة, لأن القتيل لما حيي سئل عمن قتله, فقال فلان قتلني, فكان ذلك مقبولاً منه, لأنه لا يخبر حينئذ إلا بالحق, ولا يتهم والحالة هذه, ورجحوا ذلك لحديث أنس أن يهودياً قتل جارية على أوضاح لها, فرضخ رأسها بين حجرين, فقيل: من فعل بك هذا, أفلان ؟ أفلان ؟ حتى ذكروا اليهودي, فأومأت برأسها, فأخذ اليهودي, فلم يزل به حتى اعترف, فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين, وعن مالك إذا كان لوثاً, حلف أولياء القتيل قسامة, وخالف الجمهور في ذلك, ولم يجعلوا قول القتيل في ذلك لوثا.

** ثُمّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً وَإِنّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَشّقّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَآءُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ
يقول تعالى توبيخاً لبني إسرائيل وتقريعاً لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى وإحيائه الموتى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} كله, فهي كالحجارة التي لا تلين أبداً, ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم, فقال: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس: لما ضرب المقتول ببعض البقرة جلس أحيا ما كان قط, فقيل له: من قتلك ؟ قال: بنو أخي قتلوني ثم قبض, فقال بنو أخيه حين قبضه الله: والله ما قتلناه فكذبوا بالحق بعد أن رأوه فقال الله ثم قست قلوبكم من بعد ذلك, يعني أبناء أخي الشيخ فهي كالحجارة أو أشد قسوة, فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة بعد ما شاهدوه من الاَيات والمعجزات, فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها أو أشد قسوة من الحجارة فإن من الحجارة ما يتفجر منها العيون بالأنهار الجارية, ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء وإن لم يكن جارياً, ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله وفيه إدراك لذلك بحسبه, كما قال: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفور} وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: إنه كان يقول: كل حجر يتفجر منه الماء: أو يتشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل لمن خشية الله نزل بذلك القرآن, وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} أي وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق {وما الله بغافل عما تعملون} وقال أبو علي الجياني في تفسيره {وإن منها لما يهبط من خشية الله} هو سقوط البرد من السحاب, قال القاضي الباقلاني وهذا تأويل بعيد, وتبعه في استبعاده الرازي, وهو كما قال فإن هذا خروج عن اللفظ بلا دليل, والله أعلم, وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي, حدثنا هشام ابن عمار, حدثنا الحكم بن هشام الثقفي, حدثني يحيى بن أبي طالب يعني ويحيى بن يعقوب في قوله تعالى: {وإن من الحجارة لما يتفجر من الأنهار} قال: كثرة البكاء {وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء} قال: قليل البكاء {وإن منها لما يهبط من خشية الله} قال: بكاء القلب من غير دموع العين, وقد زعم بعضهم أن هذا من باب المجاز, وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة كما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله: {يريد أن ينقض} قال الرازي والقرطبي وغيرهما من الأئمة ولا حاجة إلى هذا, فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة كما في قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منه} وقال: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن} الاَية, وقال: {والنجم والشجر يسجدان} {أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله} الاَية, {قالتا أتينا طائعين} {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} الاَية: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله} الاَية, وفي الصحيح «هذا جبل يحبنا ونحبه» وكحنين الجذع المتواتر خبره, وفي صحيح مسلم «إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الاَن» وفي صفة الحجر الأسود: إنه يشهد لمن استلم بحق يوم القيامة, وغير ذلك مما في معناه, وحكى القرطبي قولاً أنها للتخيير أي مثلاً لهذا وهذا وهذا مثل جالس الحسن أو ابن سيرين. وكذا حكاه الرازي في تفسيره وزاد قولاً آخر: إنها للإبهام بالنسبة إلى المخاطب, كقول القائل: أكلت خبزاً أو تمراً, وهو يعلم أيهما أكل, وقال آخر: إنها بمعنى قول القائل: كل حلوا أو حامضاً, أي لا يخرج عن واحد منهما, أي وقلوبكم صارت كالحجارة أو أشد قسوة منها لا تخرج عن واحد من هذين الشيئين, والله أعلم.
(تنبيه) اختلف علماء العربية في معني قوله تعالى: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} بعد الاجماع على استحالة كونها للشك, فقال بعضهم: أو: ههنا بمعنى الواو, تقديره: فهي كالحجارة وأشد قسوة, كقوله تعالى: {ولا تطع منهم آثماً أو كفور} {عذرا أو نذر} وكما قال النابغة الذبياني:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لناإلى حمامتنا أو نصفه فقد

تريد ونصفه, قاله ابن جرير, وقال جرير بن عطية:
نال الخلافة أو كانت له قدراًكما أتى ربه موسى على قدر

قال ابن جرير: يعني نال الخلافة وكانت له قدراً, وقال آخرون أو ههنا بمعنى بل فتقديره: فهي كالحجارة بل أشد قسوة, وكقوله: {إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية}, {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون}, {فكان قاب قوسين أو أدنى} وقال آخرون: معنى ذلك: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} عندكم حكاه ابن جرير, وقال آخرون: المراد بذلك الإبهام على المخاطب, كما قال أبو الأسود:
أحب محمداً حباً شديداًوعباساً وحمزة والوصيافإن يك حبهم رشدا أصبهوليس بمخطىء إن كان غيا

وقال ابن جرير: قالوا: ولا شك أن أبا الأسود لم يكن شاكا في أن حب من سمى رشد, ولكنه أبهم على من خاطبه, قال: وقد ذكر عن أبي الأسود أنه لما قال هذه الأبيات, قيل له: شككت ؟ فقال: كلا والله, ثم انتزع بقول الله تعالى: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو ضلال مبين} فقال: أو كان شاكاً من أخبر بهذا من الهادي منهم ومن الضال ؟ وقال بعضهم: معنى ذلك فقلوبكم لا تخرج عن أحد هذين المثلين, إما أن تكون مثل الحجارة في القسوة, وإما أن تكون أشد منها في القسوة. قال ابن جرير ومعنى ذلك على هذا التأويل, فبعضها كالحجارة قسوة, وبعضها أشد قسوة من الحجارة¹ وقد رجحه ابن جرير مع توجيه غيره (قلت) وهذا القول الأخير يبقى شبيهاً بقوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نار} مع قوله: {أو كصيب من السماء} وكقوله: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} مع قوله: {أو كظلمات في بحر لجي} الاَية, أي إن منهم من هو هكذا, ومنهم من هو هكذا, والله أعلم, وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم, حدثنا محمد بن أيوب حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج حدثنا علي بن حفص حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن حاطب عن عبد الله بن دينار, عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله, فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة القلب, وإن أبعد الناس من الله: القلب القاسي» رواه الترمذي في كتاب الزهد من جامعه عن محمد بن عبد الله بن أبي الثلج صاحب الإمام أحمد به, ومن وجه آخر عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب به, وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم, وروى البزار عن أنس مرفوعاً «أربع من الشقاء: جمود العين, وقساوة القلب, طول الأمل, والحرص على الدنيا».

** أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا لَقُواْ الّذِينَ آمَنُواْ قَالُوَاْ آمَنّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُوَاْ أَتُحَدّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ
يقول تعالى: {أفتطمعون} أيها المؤمنون {أن يؤمنوا لكم} أي ينقاد لكم بالطاعة هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود الذين شاهد آباؤهم من الاَيات البينات ما شاهدوه, ثم قست قلوبهم من بعد ذلك: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} أي يتأولونه على غير تأويله {من بعد ما عقلوه} أي فهموه على الجلية ومع هذا يخالفونه على بصيرة {وهم يعلمون} أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله, وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه} قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, عن ابن عباس, أنه قال: ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله} وليس قوله: يسمعون التوراة كلهم قد سمعها, ولكن هم الذي سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها. وقال محمد بن إسحاق, فيما حدثني بعض أهل العلم: أنهم قالوا لموسى: يا موسى, قد حيل بيننا وبين رؤية ربناتعالى فأسمعنا كلامه حين يكلمك, فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى, فقال: نعم, مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم ويصوموا, ثم خرج بهم حتى أتوا الطور, فلما غشيهم الغمام, أمرهم موسى أن يسجدوا, فوقعوا سجوداً, وكلمه ربه, فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم حتى عقلوا منه ما سمعوا, ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل, فلما جاؤوهم, حرف فريق منهم ما أمرهم به, وقالوا: حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا, قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله: إنما قال كذا وكذا خلافاً لما قال الله عز وجل لهم فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم, وقال السدي: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} قال: هي التوراة حرفوها, وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق, وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق, فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه كما سمعه الكليم موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام, وقد قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} أي مبلغاً إليه, ولهذا قال قتادة في قوله: {ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} قال: هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه ووعوه, وقال مجاهد: الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم, وقال أبو العالية: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه, وقال السدي {وهم يعلمون} أي أنهم أذنبوا, وقال ابن وهب: قال ابن زيد في قوله: {يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} قال: التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها, يجعلون الحلال فيها حراماً والحرام فيها حلالاً, والحق فيها باطلاً والباطل فيها حقاً, إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله, وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محق, وإذا جاءهم أحد يسألهم شيئاً ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق, فقال الله لهم: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}.
وقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض} الاَية, قال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير, وعن ابن عباس {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمن} أي أن صاحبكم محمد رسول الله, ولكنه إليكم خاصة, وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم, فأنزل الله {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم} أي تقرون بأنه نبي. وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه. وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا, اجحدوه ولا تقروا به. يقول الله تعالى {أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} وقال الضحاك عن ابن عباس: يعني المنافقين من اليهود, كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا, وقال السدي: هؤلاء ناس من اليهود, آمنوا ثم نافقوا. وكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وغير واحد من السلف والخلف حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيما رواه ابن وهب عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال «لا يدخلن علينا قصبة المدينة إلا مؤمن» فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق: اذهبوا فقولوا: آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا, فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر. وقرأ قول الله تعالى {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة: نحن مسلمون ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره, فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر, فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم, فلم يكونوا يدخلون, وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون فيقولون: أليس قد قال الله لكم كذا وكذا, فيقولون: بلى, فإذا رجعوا إلى قومهم, يعني الرؤساء, فقالوا: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} الاَية, وقال أبو العالية {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} يعني بما أنزل عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم} قال كانوا يقولون: سيكون نبي فخلا بعضهم ببعض, فقالوا {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} قول آخر في المراد بالفتح, قال ابن جريج: حدثني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله تعالى: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم, فقال: يا إخوان القردة والخنازير, ويا عبدة الطاغوت, فقالوا: من أخبر بهذا الأمر محمداً ؟ ما خرج هذا القول إلا منكم {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} بما حكم الله للفتح ليكون لهم حجة عليكم, قال ابن جريج عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم علياً فآذوا محمداً صلى الله عليه وسلم, وقال السدي {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} من العذاب {ليحاجوكم به عند ربكم} هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا, فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به, فقال بعضهم لبعض {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} من العذاب ليقولوا: نحن أحب إلى الله منكم, وأكرم على الله منكم. وقال عطاء الخراساني {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} يعني بما قضى لكم وعليكم. وقال الحسن البصري: هؤلاء اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا, وإذا خلا بعضهم إلى بعض قال بعضهم: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم. وقوله تعالى: {أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} قال أبو العالية: يعني ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به, وهم يجدونه مكتوباً عندهم, وكذا قال قتادة, وقال الحسن {إن الله يعلم ما يسرون} قال: كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض, تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم خشية أن يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند ربهم {وما يعلنون} يعني حين قالوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: وآمنا. كذا قال أبو العالية والربيع وقتادة.